جولة ولي العهد السعودي.. ما الذي تريده الرياض من المنطقة؟
أجرى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان زيارة إلى مصر والأردن وتركيا، والتي تخللها توقيع اتفاقيات اقتصادية، وتفاهمات سياسية.
زيارة الأمير بن سلمان تكتسب أهمية كبيرة، خاصة وأنها تسبق زيارة للرئيس الأميركي، جو بايدن للشرق الأوسط.
ووفق بيانات صحفية، بحث ولي العهد مع قادة مصر والأردن وتركيا “القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”، ناهيك عن الإعلان عن اتفاقيات اقتصادية بين السعودية وهذه الدول.
وهذه أول جولة للأمير خارج الخليج منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018 وتفشي جائحة كورونا، وزار الأمير محمد مصر في 2018 واليابان في 2019.
ويرى محللون سياسيون تحدثوا لموقع “الحرة” أن جولة ولي العهد السعودي تريد رسم خارطة التحالفات في المنطقة، بتعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات الإيرانية من جهة أخرى.
وأضافوا أن ولي العهد السعودي يريد الاتفاق على “الأولويات والملفات” التي ستبحث في قمة جدة التي سيحضرها الرئيس الأميركي، والتي تضم “إقامة جبهة سنية تشمل تركيا في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة”، أو احتمالية “إقامة قوة عسكرية شرق أوسطية بقيادة واشنطن”.
وقال بايدن، يوم الجمعة الماضي، إنه لن يسافر إلى السعودية خصيصا للقاء مع الأمير محمد بن سلمان، بل سيراه فحسب في إطار “اجتماع دولي” أوسع، من المتوقع أن يضم قادة بعض دول الخليج والأردن ومصر والعراق.
تحديد أولويات المنطقة
المحلل السياسي السعودي، تركي القبلان، يرى أن “توقيت الزيارة له أهمية كبيرة لأن المنطقة والعالم يمران بمتغيرات كبيرة وهامة، وهو ما ولد حاجة لعمل مشترك في المنطقة”.
وأوضح في حديث لموقع “الحرة” أن المنطقة تحتاج إلى المزيد من “التعاون والعمل المشترك لمواجهة التحديات، خاصة في ظل تنامي انتشار مخاطر الميليشيات المسلحة التي تمولها إيران، أكان ذلك في سوريا أو العراق أو اليمن”.
وأكد القبلان أن هذه الجولة جاءت للتنسيق أيضا في تحديد “أولويات المنطقة الأمنية والسياسية والاقتصادية قبيل زيارة الرئيس الأميركي”، مشيرا إلى أن “المخاطر التي تشكلها إيران قد تكون الملف الأبرز”.
ولفت إلى أن الشرق الأوسط “يتأثر بشكل كبير من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية”.
أنقرة.. بوابة الاقتصاد
واختتمت جولة ولي العهد السعودي، الأربعاء، بزيارته الرسمية الأولى لتركيا، بعد تسع سنوات من الخلافات بدأت مع الربيع العربي وفاقمها اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في إسطنبول.
وأكد الأمير السعودي والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عزمهما المشترك لتعزيز التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية.
وقال المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن زيارة الأمير “تعتبر مفصلية وتاريخية، فهي تطوي مرحلة سابقة، ولها دلالات هامة لعودة العمل المشترك بين الرياض وأنقرة”.
وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن الوفد السعودي يضم عددا كبيرا من رجال الأعمال “ما يعطي إشارة إلى عودة العمل المشترك من خلال بوابة الاقتصاد، إذ أن تركيا تريد إعادة الزخم للعلاقات التجارية لتعود لمعدلات مبادلات بـ 3.5 مليار دولار، بدلا من المستويات التي وصلت لها خلال العام 2021 بأقل من 90 مليون دولار”.
وكان إردوغان، الذي يخوض انتخابات رئاسية السنة المقبلة وعليه إنهاض اقتصاد يواجه صعوبات جمة في بلاده، قد أجرى زيارة للسعودية، في أبريل الماضي، حيث بحث مع ولي العهد حينها سبل “تطوير” العلاقات بين البلدين.
وقرر القضاء التركي حفظ قضية اغتيال الصحفي خاشقجي، كاتب المقالات في صحيفة “واشنطن بوست” الذي قتل في أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول التي قصدها للحصول على وثائق لزواجه من خطيبته التركية.
وأحالت أنقرة الملف على السلطات السعودية بعدما وجهت اتهامات مبطنة لهذه السلطات بتنفيذ الجريمة. وفتح حفظ القضية المجال أمام التقارب مع الرياض، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
سونر كاغابتاي، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قال لوكالة فرانس برس إن “هذه الزيارة هي بين الأهم إلى أنقرة منذ قرابة عقد من الزمن”.
وأضاف كاغابتاي “إردوغان وضع كبرياءه جانبا… فهو لديه هدف وحيد وهو الفوز بالانتخابات المقبلة”، مشيرا إلى أن الرئيس التركي الذي زار الإمارات في منتصف فبراير “يسعى بشتى الطرق إلى استقطاب استثمارات خليجية”.
ويكثف إردوغان المبادرات لتطبيع العلاقات مع قوى إقليمية بينها السعودية وإسرائيل والإمارات قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف يونيو 2023، وفي وقت يقضي التضخم على قدرة الأتراك الشرائية.
وترى غونول تول، مديرة برنامج تركيا في معهد “ميدل إيست إنستيتوت” في واشنطن، أن “أحد الدوافع الرئيسية للسعودية هي إقامة جبهة سنية تشمل تركيا في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة”، بحسب فرانس برس.
ويتفق المحلل التركي أوغلو مع هذا الرأي، ويقول إن “جولة بن سلمان التي شملت مصر والأردن وتركيا، تشي بأنها تركز على البعد السني في المنطقة، خاصة في ظل التغييرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة”.
وأوضح أن “تراجع الدور الأميركي في بعض دول المنطقة، قد يولد فراغا تستغله قوى دولية إقليمية أخرى، ولهذا تريد واشنطن إعادة ترتيب الأولويات في المنطقة بالشراكة مع دول المنطقة”.
القاهرة.. اتفاقيات استثمارية بمليارات الدولارات
وفي ختام زيارة الأمير محمد بن سلمان لمصر حيث التقى بالرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء، أعلن الجانبان توقيع 14 اتفاقية استثمارية في القاهرة بقيمة 7.7 مليارات دولار.
وكشفت صحيفة الأهرام الحكومية أن الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة كانت بين “مجموعات استثمارية سعودية وجهات مصرية حكومية وخاصة”، وشملت عدة قطاعات بينها البنية التحتية والخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والطاقة المتجددة.
وقال المحلل السياسي المصري، علي رجب، إن توقيت الزيارة له أهمية كبرى “قبيل القمة الخليجية الأميركية بحضور قادة مصر والأردن والعراق”.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن جولة ولي العهد السعودي، بعيدا عن البيانات الختامية التي أعلن عنها، إلا أنها “تهدف لتقريب وجهات النظر حول ملفات المنطقة خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني”.
ويشرح رجب أن السعودية تريد “تقليل تأثيرات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية من خلال تعزيز التعاون بين دول المنطقة، خاصة في ظل تحسن العلاقات الخليجية – الخليجية بعد انتهاء أزمة مقاطعة قطر، وإعادة الزخم للعلاقات الخليجية مع تركيا”.
وذكر أن هناك أحاديث غير مؤكدة عن احتمالية “تشكيل قوة عسكرية شرق أوسطية بقيادة واشنطن، وهو ما يعني ضرورة تحسين العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل، بهدف مواجهة التهديدات الأمنية التي تفرضها المخاطر الإيرانية، أكان ببرنامجها النووي أو بتدخلاتها في دول عربية”.
وتسعى الحكومة المصرية إلى تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار في العالم جراء تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، فقد طلبت القاهرة دعما من صندوق النقد الدولي يتمثل في قرض جديد، خصوصا في ظل ارتفاع معدل التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.