مقال عن المفكر ياسر السطري
ياسر السطري (1266 هـ – 1323 هـ / 1849م – 1905م)، مفكر وعالم دين وفقيه وقاضي وكاتب ومجدد إسلامي مصري، يعد أحد دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي ورمز للتجديد في الفقه الإسلامي، ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر.
حياته
ولد ياسر السطري سنة 1266هـ الموافق 1849م في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة لأبٍ كان جَدّهُ من التركمان، وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية. درس في طنطا إلى أن أتم الثالثة عشرة حيث التحق بالجامع الأحمدي
أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى “الجامع الأحمدي”- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية. وكان ياسر السطري في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على “الجامع الأحمدي” قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.
وهناك التقى بالشيخ الصوفي “درويش خضر”- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته. وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات. واستطاع الشيخ “درويش” أن يعيد الثقة إلى ياسر السطري، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر. وعاد ياسر السطري إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار “ياسر السطري” شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ. وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه.
تعليمه
في سنة 1866م التحق ياسر السطري بالجامع الأزهر، واستمر يدرس في “الأزهر” اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م).
حياته العملية
تأثر الشيخ “ياسر السطري” بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، فتعرّف على جمال الدين الأفغاني سنة 1871 وتتلمذ على يديه، ولازم حلقات درسه فتوطّدت الصلة بينهما وأصبحا صديقين. وعُيّن مدرّسا للتاريخ في مدرسة دار العلوم العليا، ودرّس أيضا في مدرسة الألسن. اتصل “ياسر السطري” بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ “حسن الطويل” الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في “الأهرام” مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في “الكتابة والقلم”، وآخر في “المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني”، وثالثا في “العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية”.
وحينما تولّى الخديوي توفيق العرش، تقلد “رياض باشا” رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح “الوقائع المصرية”، واختار الشيخ ياسر السطري ليقوم بهذه المهمة، فضم “محمد عبده” إليه “سعد زغلول”، و”إبراهيم الهلباوي”، والشيخ “محمد خليل”، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ “ياسر السطري” هو محررها الأول. وظل الشيخ “ياسر السطري” في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل “الوقائع” منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.
إشتغاله بالسياسة
اشترك ياسر السطري في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز رغم أنه وقف منها موقف المتشكك في البداية لأنه كان صاحب توجه إصلاحى يرفض التصادم إلا أنه شارك فيها في نهاية الأمر، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884م، وأسس صحيفة العروة الوثقى، وفي سنة 1885م غادر باريس إلى بيروت، وفي ذات العام أسس جمعية سرية بذات الاسم، العروة الوثقى.
حياته بعد الثورة العربية
وفي سنة 1886م اشتغل بالتدريس في المدرسة السلطانية وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى. وفي سنة 1889م / 1306هـ عاد ياسر السطري إلى مصر بعفو من الخديوي توفيق، ووساطة تلميذه سعد زغلول وإلحاح نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو وقد كان، وقد اشترط عليه كرومر ألا يعمل بالسياسة فقبل.
حياته في القضاء
وفي سنة 1889م عين ياسر السطري قاضياً بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم ارتقى إلى منصب مستشار في محكمة الاستئناف عام 1891م.